اغتيال السنوار- انتصار تكتيكي أم بداية فصل جديد في غزة؟

المؤلف: محمود علوش10.06.2025
اغتيال السنوار- انتصار تكتيكي أم بداية فصل جديد في غزة؟

لقد حقّقت إسرائيل إنجازًا بالغ الأهمية في حربها المستمرة، وذلك بإعلانها عن مقتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة. لا شك أن السنوار، العقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" والشخصية المحورية التي قادت الحركة ببسالة بعد استشهاد رئيس مكتبها السياسي السابق، إسماعيل هنية، يشكل استهدافه نقطة تحول جوهرية في مسار الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس.

سيتمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من الزعم بأن إسرائيل تحرز تقدمًا مطردًا نحو تحقيق نصر حاسم في غزة. ومع ذلك، فإن التداعيات العميقة التي تركتها هذه الحرب على إسرائيل ذاتها، وعلى القضية الفلسطينية، وعلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها، لن تتلاشى بمجرد نهاية حياة السنوار. لا يزال ما يقرب من مائة رهينة إسرائيلية قيد الأسر في غزة، ولم تنجح إسرائيل حتى الآن في استعادتهم. ومن المرجح أن تزداد فرص استعادة هؤلاء الرهائن سالمين عبر التوصل إلى اتفاق أكثر تعقيدًا بعد مقتل السنوار. كما يصعب التنبؤ بالمسار الذي ستسلكه الحرب في غزة في أعقاب هذا التطور الدراماتيكي.

لا تقل الطريقة التي استشهد بها السنوار أهمية عن نبأ استشهاده نفسه. فمن جهة، تحمل الرواية الإسرائيلية التي تزعم أن اغتياله كان وليد الصدفة المحضة، دون تخطيط مسبق من جانب أجهزة المخابرات والجيش الإسرائيلي، محاولة واضحة لتبرير السياسة الإسرائيلية المتمثلة في استهداف شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس. فلو لم تتبع إسرائيل هذه السياسة، لما اضطر السنوار إلى الخروج من النفق، وبالتالي لما لقى حتفه. وتسعى إسرائيل من خلال هذه الرواية إلى التغطية على فشلها الذريع في القضاء على السنوار طوال عام كامل من الحرب الضروس.
ولكن، من جهة أخرى، فإن اعتراف إسرائيل بوجود السنوار وسط مقاتليه خلال عملية استهدافه يدحض مزاعمها السابقة بأنه كان يتحصن في الأنفاق ويحتمي بالرهائن الإسرائيليين لديه؛ بهدف الحفاظ على حياته والبحث عن مخرج آمن له من غزة.

وينبغي التشديد على أن الاعتقاد السائد بأن رحيل السنوار سيؤدي على الفور إلى انهيار شامل لحركة المقاومة الفلسطينية يتعارض بشكل صارخ مع ثلاثة معطيات جوهرية:

  • أولًا: إن استمرار العمليات المسلحة للمقاومة في هذه الحرب لم يتأثر بشكل كامل باغتيال بعض القادة البارزين في حماس، مع الأخذ في الاعتبار أن مقتل السنوار سيكون له تأثير أكبر على الحركة، مقارنة باغتيال قادة في كتائب القسام، وباغتيال هنية، نظرًا لدوره القيادي في إدارة شؤون الحرب.
  • وثانيًا: إن الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون في قبضة المقاومة الفلسطينية يشكلون ورقة ضغط قوية تحد من خيارات إسرائيل.
  • وثالثًا: إن تحقيق إسرائيل لنجاح محتمل في القضاء على نشاط المقاومة بشكل كامل لن يعني بأي حال من الأحوال أنها حسمت المعركة لصالحها. إن معضلة اليوم التالي لانتهاء الحرب لا تقل تعقيدًا عن الحرب نفسها. كما أن الأهداف الأسمى لإسرائيل في هذه الحرب، والمتمثلة في تهجير سكان غزة وإخراج القطاع من دائرة الصراع، لا تزال تصطدم بصمود الفلسطينيين الأسطوري، رغم ويلات الحرب، وبرفض المجتمع الدولي القاطع لمحاولات تفريغ غزة من سكانها.

علاوة على ذلك، فإن حركة حماس لا تزال قادرة على الحفاظ على هيكلها التنظيمي على المستوى السياسي على الأقل حتى بعد اغتيال اثنين من قادتها البارزين في هذه الحرب.

  • إن الهدف الذي أعلنه نتنياهو في بداية الحرب، وهو القضاء على حماس، لم يكن واقعيًا على الإطلاق؛ لأن الحركة تستمد قوتها أولًا من قدرتها الفائقة على التكيف مع الخسائر الفادحة التي تكبدتها على مستوى القيادات منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.
  • وثانيًا من كونها حركة تحرر وطني تستمد شرعيتها الفلسطينية من مقاومة الاحتلال البغيض. وقد أثبتت تجارب العقود الطويلة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المرير أن جميع الحركات الفلسطينية لم تنته رغم التحديات الجسام التي واجهتها على المستوى التنظيمي.
  • وثالثًا من حقيقة أن حركة حماس تحظى بشعبية فلسطينية واسعة، وستبقى كذلك. وحتى مع التقديرات الإسرائيلية التي تتحدث عن مقتل ما يزيد على خمسة عشر ألف مقاتل من حماس خلال العام الماضي من الحرب، فإن الحركة لا تزال تحتفظ بما يقرب من ضعف هذا العدد من المقاتلين الأشداء.

من المرجح أن تظل حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة قادرة على مواصلة القتال ببسالة على الأرض لفترة طويلة حتى مع استشهاد شخصية قوية ومؤثرة كالسنوار. وأي رهان إسرائيلي خاسر على أن تصفية السنوار ستؤدي إلى انهيار القدرة القتالية للمقاومة الفلسطينية لن يؤدي سوى إلى تعقيد التصورات الإسرائيلية لليوم التالي في غزة بعد انتهاء أتون الحرب.

لا شك أن تصفية السنوار تمنح نتنياهو نصرًا معنويًا جديدًا في الحرب، بعد اغتيال هنية والأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، وجيل كامل من القادة الكبار في الحزب، ولكن ترجمة هذا النصر إلى نصر إسرائيلي استراتيجي حقيقي في الحرب، سواء على جبهة غزة أو على جبهة لبنان، تبدو مهمة بالغة الصعوبة.

كما أن هذه الاغتيالات، وإن كانت تساعد إسرائيل في احتواء التداعيات الكبيرة لحرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول عليها، لن تغير من حقيقة أن الوضع المستجد الذي أفرزته الحرب على مستوى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط يجعل من المستحيل على إسرائيل تجاهل هذه الإرهاصات وكأن شيئًا لم يكن، أو اعتبار حدث جلل مثل اغتيال السنوار نصرًا، وهو أبعد ما يكون عن ذلك.

وفي المحصلة، توضح المكاسب التي حققتها إسرائيل في هذه الحرب بعد مرور أكثر من عام عليها الهوة الشاسعة بين النصر التكتيكي العابر والنصر الاستراتيجي الدائم. ولا تزال إسرائيل بعيدة كل البعد عن تحقيق النصر الاستراتيجي المنشود، ليس فقط بسبب استحالة القضاء على حماس كتنظيم فلسطيني راسخ، وعلى حزب الله كتنظيم لبناني قوي، بل أيضًا بسبب أنها تدير دفة الحرب من منظور اعتقادها الخاطئ بأنها قادرة على تغيير وجه الشرق الأوسط وتصفية القضية الفلسطينية برمتها.

وما يزيد من اتساع هذه الهوة أن إسرائيل لم تستفد على الإطلاق من واقع ثابت تجذر في تجربة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الممتد لعقود طويلة، وهو أن غطرستها المفرطة في إدارة هذا الصراع لم تجلب لها قط استقرارًا أمنيًا طويل الأمد، ولم تحولها إلى دولة طبيعية مندمجة في محيطها.

وفي هذه الحرب الدائرة، لم تؤد الغطرسة في الواقع سوى إلى تعميق صورتها البشعة كدولة مارقة متمردة على القانون الإنساني والدولي، ومصدر تهديد دائم للاستقرار الإقليمي الهش.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة